عرض مشاركة واحدة
قديم 27-09-2009, 01:04 AM   #3
ورده النيل


الصورة الرمزية ورده النيل
ورده النيل غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 9760
 تاريخ التسجيل :  Fri Jul 2008
 أخر زيارة : 13-02-2022 (01:45 AM)
 المشاركات : 41,507 [ + ]
 التقييم :  446
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي رد: الإمام أبو حنيفة النعمان



وأصدر الخليفة أمرا بمنع أبي حنيفة من التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى .. حتى إذا احتاج الخليفة إلي رأي في أمر معقد لا يطمئن فيه إلي فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعا. فأذن له. وعاد يفتي، وعاد ينتقد الأحكام!. وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدا محكما فلم يسعفه الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ إلي أبي حنيفة فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من بطانة الخليفة بما صنعه حسدا من عند أنفسهم. ولكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان يكره مواقفه وآراءه. وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما إلي فقيه، فرفضت الزوجة الاحتكام إلي قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو إلي تابعه شبرمة أو إلي أحد الفقهاء من بطانة المنصور! وطلبت أبا حنيفة.

وعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة رأيه أن من حقه الزواج لأن الله أحل للمسلم الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه. فرد أبو حنيفة: "إنما أحل الله هذا لأهل العدل. فمن لم يعدل فواحدة. قال الله تعالى:

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً}(النساء،الآية:3).

فينبغي علينا أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه. وضاق الخليفة بفتواه. ولكنه أخذ بها. وخرج أبو حنيفة إلي داره. فأرسلت له زوجة الخليفة خادما ومعه مال كثير وأحمال من الثياب الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فاره هدايا لأبي حنيفة. فقال أبو حنيفة للخادم: "أقرئها سلامي. وقل لها إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه الله. لم أرد بذلك تقربا إلي أحد ولا التمست به دنيا ورد الجارية الحسناء والثياب والمال والحمار المصري جميعا.

كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية والحالات. الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتها إن لم يجد نصا في الكتاب أو السنة أو الإجماع. وكان يناصر الفقهاء ببديهة حاضرة يقلب الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص إلي الغاية، والخلاص من المأزق، ويلزم المناظر الحجة. وهو مع ذلك يقول: "ربما كان ما قلته خطأ كله، لا الصواب كله". ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون مخالفيهم. وكانوا يقتلون من أقر علي بن أبي طالب على التحكيم. كان أبو حنيفة يؤيد عليا ويقره على التحكيم. وخيره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظروه، فرضى، فقال له "فإن اختلفنا؟ قال الخارجي نحكم بيننا رجلا .. فضحك أبو حنيفة قائلا: أنت بهذا تجيز التحكيم." فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالما.

وكم مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته..! ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء .. كانت صلابته، واحترام الحكام له، وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم، تثير هؤلاء الفقهاء وتحرك حسدهم .. فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به. وحاولوا أن يقتنصوه بفضائله. إنه لشجاع في الحق .. وإذن فلينصبوا له شركا من جسارته وتقواه .. إن مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه. ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم عليه اشتعالا: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه في استنباط الأحكام إلي إلحاق الأمور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد وعاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف روح الشريعة أو نصوصها.


أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهر بالانحياز إلي العلويين. ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب.! على أن الموقف ليس جديدا عليه. فقد أيد ثورة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي. وسمى خرج زيد جهادا في سبيل الله، وشبهه بيوم بدر وحاول أن يخرج مع الإمام زيد، ولكن كانت لديه ودائع للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض. ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به فأرسل إلي الإمام زيد مالا كثيرا يمير به جيشه ويقويه. وحين ولى العباسيون أيدهم أول الأمر، ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات الدروس .. وكان المنصور قد جمع رءوس العلويين وسجنهم. وصادر أموالهم وأراضيهم.




 
 توقيع : ورده النيل






رد مع اقتباس