lady
20-08-2008, 05:10 PM
--------------------------------------------------------------------------------
عن أبي سعيد الخدري قال: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة -رجل من بني تميم-: يا رسول الله اعدل قال: (ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟) فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: لا......)(1)
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها...فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق فقال: اتق الله يا محمد، فقال: (من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه)(2).
الحلم و العفو طبعٌ عزيز و خلقٌ آسر:
تتجلّى حقيقته في تلك المواقف التي يتجرأ فيها الآخر على إيذاء عرضك بالسبّ، أو انتقاد عملك أو التعرض لحياتك الخاصّة، بأسلوب همجي، و ألفاظ غليظة ، و نبرة حادّة، فلا تواجهه إلا بخير..!
ليست الأحلام في حال الرضى إنما الأحلام في حال الغضب(3)
و الحقيقة إن توطين النفس على كظم الغيظ و الصبر عن الانتقام لها، و تربيتها على العفو والصفح مع من يجهل عليها أمرٌ لا تخفى مشقّته، لقوّة الداعي إلى الأخذ بالثأر، والرغبة الجامحة للحميّة للذّات و استيفاء الحقوق.
و حين نتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم المثقل بهّم الدعوة و مسؤولية الرسالة و تلقّي الوحي و قيادة الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس نرى صفاء الحلم و العفو يتدفّق في قسمات وجهه المشرق، و كلماته الرقيقة النّدية ليكون علماً من معالم شخصيّته المعجزة .
يعترض له (ذو الخويصرة ) بجفاء وهو يقسم للناس حظّهم من المال ؛ فيناديه بفظاظة يا رسول الله اعدل!
و يأتي آخر رافعاً صوته، متطاولاً عليه يدعوه باسمه(يا محمد) مجرّداً من نعت الرسالة والاصطفاء! فيقول بملء فمه (اتق الله يا محمد) فلا تظلم في العطاء!
إنها كلمة غاية في الشناعة و الصّلف في حق خير البرية صلى الله عليه وسلم و أزكاهم عند الله تبارك وتعالى، المؤتمن على وحيه، وتبليغ رسالاته، و بيان شرعه، و حلاله وحرامه، المخيّر حين نبوّته بين أن يكون ملكا أو عبدا فاختار العبودية، أتغرّه لعاعة من متاع الدنيا فينقض عهده مع ربه! ويجرح أمانته، ويخالف رسالته و يهدم مبادئه العليا!!!
لقد كان لتلك الكلمات الجائرة صدى عنيفاً على سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشعلت فتيل الغضب في نفوسهم، و تبادروا لقتله، فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا أن منعهم ذلك، و اكتفى بالتأنيب والعتاب المؤثر (ويحك) و في رواية (ويلك،من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني)، وفي رواية (أو لست أحق أهل الأرض أن أطيع الله؟).
و يبلغ العفو منتهاه حينما يدخل مكة ـ حرسها الله ـ بعد كفاح طويل في الدعوة و الجهاد في سبيل الله، فيجتمع أهلها إليه في المسجد فيقول لهم: (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(4).
يا له من صفح جميل، و عفو بليغ، مأمول من ذلك الرجل الكريم الذي هو أهله، حيث يكون سائغا.
و حين تنتهك حرمات الله تعالى، فإنه يشتدّ غضبه لله حتى يرى أثره على و جهه، فلا يعف عن منكر لا يرضاه الله سبحانه، أو يحلم عن إقامة حدّ من حدوده.
تعفو بعدل و تسطو إن سطوت به فلا عدمتك من عافٍ و منتقم(5)
و هذا هو التوجيه الشرعي الصحيح الذي نتعلمه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم للعواطف و المشاعر الثائرة، فلا يكون فيها انتكاسة بحيث نغضب و نشتدّ غيضاً حميّة لأنفسنا، و أنسابنا، و أموالنا، وديارنا، ونكتفي بغضّ الطرف و زمّ الشفاه و الحوقلة إذا انتهكت محارم الله سبحانه و استبيح حماه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) صحيح البخاري (5811).
(2) متفق عليه.
(3) أدب الدنيا و الدين (ص219).
(4) سنن البيهقي الكبرى (18055).
(5) أدب الدنيا و الدين (ص 223).
عن أبي سعيد الخدري قال: (بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم ذات يوم قسما فقال ذو الخويصرة -رجل من بني تميم-: يا رسول الله اعدل قال: (ويلك من يعدل إذا لم أعدل؟) فقال عمر: ائذن لي فلأضرب عنقه، قال: لا......)(1)
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: بعث علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها...فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق فقال: اتق الله يا محمد، فقال: (من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه)(2).
الحلم و العفو طبعٌ عزيز و خلقٌ آسر:
تتجلّى حقيقته في تلك المواقف التي يتجرأ فيها الآخر على إيذاء عرضك بالسبّ، أو انتقاد عملك أو التعرض لحياتك الخاصّة، بأسلوب همجي، و ألفاظ غليظة ، و نبرة حادّة، فلا تواجهه إلا بخير..!
ليست الأحلام في حال الرضى إنما الأحلام في حال الغضب(3)
و الحقيقة إن توطين النفس على كظم الغيظ و الصبر عن الانتقام لها، و تربيتها على العفو والصفح مع من يجهل عليها أمرٌ لا تخفى مشقّته، لقوّة الداعي إلى الأخذ بالثأر، والرغبة الجامحة للحميّة للذّات و استيفاء الحقوق.
و حين نتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم المثقل بهّم الدعوة و مسؤولية الرسالة و تلقّي الوحي و قيادة الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس نرى صفاء الحلم و العفو يتدفّق في قسمات وجهه المشرق، و كلماته الرقيقة النّدية ليكون علماً من معالم شخصيّته المعجزة .
يعترض له (ذو الخويصرة ) بجفاء وهو يقسم للناس حظّهم من المال ؛ فيناديه بفظاظة يا رسول الله اعدل!
و يأتي آخر رافعاً صوته، متطاولاً عليه يدعوه باسمه(يا محمد) مجرّداً من نعت الرسالة والاصطفاء! فيقول بملء فمه (اتق الله يا محمد) فلا تظلم في العطاء!
إنها كلمة غاية في الشناعة و الصّلف في حق خير البرية صلى الله عليه وسلم و أزكاهم عند الله تبارك وتعالى، المؤتمن على وحيه، وتبليغ رسالاته، و بيان شرعه، و حلاله وحرامه، المخيّر حين نبوّته بين أن يكون ملكا أو عبدا فاختار العبودية، أتغرّه لعاعة من متاع الدنيا فينقض عهده مع ربه! ويجرح أمانته، ويخالف رسالته و يهدم مبادئه العليا!!!
لقد كان لتلك الكلمات الجائرة صدى عنيفاً على سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشعلت فتيل الغضب في نفوسهم، و تبادروا لقتله، فما كان من الحبيب صلى الله عليه وسلم إلا أن منعهم ذلك، و اكتفى بالتأنيب والعتاب المؤثر (ويحك) و في رواية (ويلك،من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنونني)، وفي رواية (أو لست أحق أهل الأرض أن أطيع الله؟).
و يبلغ العفو منتهاه حينما يدخل مكة ـ حرسها الله ـ بعد كفاح طويل في الدعوة و الجهاد في سبيل الله، فيجتمع أهلها إليه في المسجد فيقول لهم: (ما ترون أني صانع بكم؟) قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(4).
يا له من صفح جميل، و عفو بليغ، مأمول من ذلك الرجل الكريم الذي هو أهله، حيث يكون سائغا.
و حين تنتهك حرمات الله تعالى، فإنه يشتدّ غضبه لله حتى يرى أثره على و جهه، فلا يعف عن منكر لا يرضاه الله سبحانه، أو يحلم عن إقامة حدّ من حدوده.
تعفو بعدل و تسطو إن سطوت به فلا عدمتك من عافٍ و منتقم(5)
و هذا هو التوجيه الشرعي الصحيح الذي نتعلمه من هدي النبي صلى الله عليه وسلم للعواطف و المشاعر الثائرة، فلا يكون فيها انتكاسة بحيث نغضب و نشتدّ غيضاً حميّة لأنفسنا، و أنسابنا، و أموالنا، وديارنا، ونكتفي بغضّ الطرف و زمّ الشفاه و الحوقلة إذا انتهكت محارم الله سبحانه و استبيح حماه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) صحيح البخاري (5811).
(2) متفق عليه.
(3) أدب الدنيا و الدين (ص219).
(4) سنن البيهقي الكبرى (18055).
(5) أدب الدنيا و الدين (ص 223).