المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماراه الدكتور في غزة


¨°o.O الناقل انا O.o°¨
06-02-2009, 10:19 PM
ما ان تبدأ طريقك الي سيناء ويمس وجهك نسم هوائها المنعش حتي تستثار عواطفك وتهتز مشاعرك وانت تنتقلhttp://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233945998.jpg
ببصرك بين ثراها الفسيح وطبيعتها الخلابة ستتذكر دماء الشهداء ، ستتذكر دماء الاسري المصريين المغدور بهم ، ستتذكر الاف الضحايا الذين سقطوا ورووا بدمائهم هذه الارض من اجل الحرية وكرامة المصريين ، ستستغرب للغاية وانت تري هذه الارض الطيبة المليئة بالخير ولكن لم يبذل مجهودا حقيقيا وكافيا لتنميتها ، ستمر فوق القناة وتتذكر كم ظل المصريون علي جانب والصهاينة علي الجانب الاخر حتي كان العبور العظيم الذي أعاد صياغة قوانين العسكرية علي مستوي العالم ، ستغرق عينك بالدموع عندما تقترب اكثر واكثر من هناك ، من رفح التي هي جسر العبور الي ارض فلسطين الحبيبة سيخبرك السائق البدوي الودود انك الان في المنطقة ج تلك المنطقة الواقعة تحت سيطرة القوات الدولية وسيشرح لك ما هي المنطقة أ ؟ وما هي المنطقة ب ؟ لتدرك بعدها ان اتفاقية كامب ديفيد كانت اكبر وهم تم خداعنا به حول تحرير سيناء واسترداد الكرامة والارادة لانها كرامة واستقلال منقوص للاسف
http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233946822.jpg

المهم ان حالة الشجن التي بدأت معك وانت تمر بأول شبر في سيناء ستزيد وستتضاعف كلما اقتربت اكثر واكثر من رفح وانت تقف الان علي بوابة المعبر وتجد بشرا من جنسيات مختلفة يتحدثون بلغات مختلفة ولكن يجمعهم هدف واحد وهو دخول غزة لمساعدة وعلاج ضحايا الاجرام الصهيوني ، ستنتظر ولكن لن تشعر بالوقت لانك تري علي امتداد البشر ارض الانبياء تقع علي بعد امتار منك ، ستهفو روحك اكثر واكثر وانت تري العلم المصري يرفرف وكذلك العلم الفلسطيني علي مرمي البصر ، تدعوا الله ان يكتب لك الدخول الي هناك لتساهم بأي شيء تستطيعه ياتي الضابط المسئول ويأخذ اوراقك يسمح لك بالدخول لتسير حوالي مائة متر لتصل الي البوابة الثانية حيث تمر حقائبك علي السير الالكتروني لفحصها ثم تدخل علي مكتب المخابرات العامة ، يستقبلك بعضهم ببسمة بشوش ويسعدون بك عندما يعلمون انك طبيب مصري تركت اهلك وعملك وجئت تساهم في تخفيف الألم ، تري في اعينهم الفخر ببلادهم وابناءها فهم من يلبون ويساندون اخوانهم
توقع اقرارا علي نفسك، انك تدخل قطاع غزة علي مسئوليتك الشخصية رغم تحذير الحكومة المصرية لك ، تنتهي الاجراءات الامنية يسمحون لك بالانتقال الي قسم الجوازات ويطلبون منك الانتظار قليلا ليأتي الجواز اليك مختوما بختم المغادرة لتنتقل فعليا الي الجانب الفلسطيني من المعبر ، عندما تصل لهذه النقطة تأكد أن دموعك ستغالبك لن تصدق نفسك وانت تركب الاوتوبيس الذي سيدخلك الي ارض فلسطين والي غزة الابية ويخرج بك من المعبر، تنزل من الاوتوبيس وقد اصبحت الان في غزة فعليا يستقبلك شباب باسمين ومرحبين من الجانب الفلسطيني يعانقونك وهم اول مرة يرونك ، يأخذون جواز سفرك ليتم ختمه بختم السلطة الفلسطينية ويردونه اليك ، كل شيء في سلاسة ويسر البعض ينهي لك اجراءاتك والبعض الاخر يقف معك يرحب بك ويشكرك ويحتفي بك احتفاءا بالغا تركب الان سيارة اخري ستنقلك الي مدينة غزة ، السيارة فاخرة ونظيفة والسائق مهذب لأقصي حد يرحب بك ويدعوا لك ، تبدا رحلة أخري من الشجن في طريق صلاح الدين الذي يقطع غزة كلها حتي يصل بك للمدينة ، تمر بخان يونس والزيتون والبريج وغيرها من احياء غزة
تزكم انفك رائحة الدماء والقتل علي الجانبين ولكن تهب ايضا نفحات من اشجار الزيتون تحمل عبقا مريحا ينعشك ويهديء روعك ، تختلط الرمال بالاشجار ، تبصر علي الجانبين اثارا لدمار هائل ، مساحات شاسعة من الاراضي تم تجريفها وحرقها فصارت بقعا سوداء بعد ان كانت خضراء ، منازل تم هدمها بالكامل ، دمار لا يوصف مهما تخيلت لن يصل خيالك الي هذه الوحشية ، ستفجعك المأذن التي تم قصفها فتكسرت وصارت رمزا للحرب علي الله وعلي عباد الله ، ليس مسجدا واحد ولكن مساجد كثيرة ، ستندهش وانت تري الاطفال الصغار يلعبون الكرة بين هذا الركام ويمرحون رغم كل شيء ستندهش أكثر وانت تري اصحاب المحلات والورش المهدمة يفتحون محالهم وورشهم ويبدأون ممارسة اعمالهم رغم ما حل بهم من دمار كامل ، يتحدون المستحيل ويقهرون ألة الدمار والاجرام الصهيوني بثباتهم ، لا احد يبكي الكل يتحدي الوضع الصعب ويحلم بغد أفضل ، تمضي بك السيارة وتسير في هذا الطريق المفرد يعتذر اليك السائق ومرافقك من حفر صغيرة في الطريق ويطلب منك الصبر عليها ، تضحك للغاية وهم يشكون من هذا الطريق وتخبرهم ان هذا طريق جيد وافضل كثيرا من طرق سفر كثيرة باقاليم مصر التي تشتهر بطرق الموت التي تحصد الالاف كل يوم
يستمر بك الطريق لتنتقل من حي الي أخر مخيم البريج مخيم النصيرات حي الزيتون تقترب من غزة نفسها ، تدهشك نظافة الشوارع والبيوت رغم بساطتها ورقة حالها ، تدهشك سيولة المرور وانسيابيته وجنود المرور في حكومة غزة وانت تراهم يؤدون عملهم بحماس واخلاصك
المطر الخفيف ينعش وجهك ويضفي علي رحلتك جوا حالما ، تبدوا غزة كمن تغسل عن جبينها اثار الدمار والقتل وسفك الدماء ، الناس تمشي في الشوارع التي افتقدت السير فيها كثيرا خوف طائرات الاستطلاع المعروفة بالزنانة التي اذا رصدتك تصيبك بصاروخ يحولك لاشلاء في ثوان
محلات الفول والفلافل تمارس نشاطها بكثافة تميل الشمس للغروب لتفاجيء بالظلام الذي يلف اركان المدينة الا من بعض اضواء لبعض المباني والمنشأت التي تمتلك مولدات كهربية خاصة بها ، تمشي في الطرقات تشعر انك تحمل شمعة تنير لك مد خطوك حتي لا تقع ، الناس لا تتوقف والسيارات لا تنتهي ، كافيهات فلسطينية تستعيد نشاطها ، محلات طعام تعرض ما عندها مهما كان قليلا لظروف الحصار والتجويع
وصلت اخيرا لمجمع الشفاء الطبي هذا المجمع الهائل ، صدمني التدمير الكامل لمسجد الشفاء الذي صار انقاضا وركام ، الظلام يلف محيط المجمع ولكن الحركة والعمل لا تتوقف فيه ابدا ، يقابلنا الجميع بالعناق يرحبون بنا في سعادة بالغة وكأننا ابطالا اتينا اليهم رغم اننا لم نفعل شيئا وهم الابطال الحقيقين الذين اذهلوا العالم بصمودهم وتفانيهم
استعد الان لتناول أحلي وجبة اكلتها في حياتي الان ، انها فيليه بالجبنة ، لن اتحدث عن الطعم فهو اكثر من رائع أكل بشهية يلحون عليا وعلي رفيقي لنأكل أكثر ، نشعر اننا في بيوتنا وسط اشقائنا واهلنا ، ننتهي من الطعام لنصل الي مكان سكن الاطباء بالمجمع ، ندخل الي مكان نظيف للغاية تشعر ان الخدمة فيه فندقية رغم قسوة الظروف وقلة الامكانيات الكل يتسابق لخدمتك ويحرص علي راحتك بكافة السبل ، لا يمل من العرض عليك بشرب شاي او تناول حلوي او مكسرات شامية تسألهم : كيف هذا وسط هذا الحصار ، يقولون نحن لا نتناول هذه الاشياء بل جلبناها لكم خصيصا لاننا نعرف انكم تحبونها ، يسألونك عن مصر ، فتحكي لهم عن شوراعها واثارها وطيبة شعبها يبكون من فرط التأثر ويدعون بدعوات كثيرة لهذا الشعب المصري الذي ناصرهم وانتفض من اجلهم ودعمهم بكل ما يستطيع
لوقت مازال مبكرا عن النوم اخذت رفيقي طبيب العظام ونخرج لنتمشي قليلا حول المجمع
تشعر بأمان بلا حدود ، ففي كل شارع تبصر عيونا ساهرة مرابطة علي الامن تندهش اكثر واكثر وانت تري هذا الشعب الغريب يخرج رغم الخطر يقضي حوائجه ويصر ان يمارس حياته اليومية بلا خوف ولا حزن ، يسير بجواري شاب وفتاة يتمشيان معا ويبدوا انهما مخطوبين او حديثي الزواج ، يدفعني الفضول ان اقترب منهم واتعلل بالسؤال عن صيدلية قريبة يدركون اني طبيب مصري يفرحون للغاية ويرحبون بي اسأل الشاب : كيف تخرجون الان للفسحة رغم هذه الظروف القاسية ، تبتسم الفتاة وتقول لي : يا دكتور الله يعطيك العافية احنا ناس تعودنا علي القصف والخطر ومش بنوقف حياتنا لاجلهم احنا عاقدين قرانا ونازلين نشتري بقية حاجاتنا عشان نتزوج لو قعدت في القطاع شهر كمان احنا يشرفنا حضورك عرسنا

يستطرد الشاب ليقول : والله يا دكتور فرحنا في قلوبنا بثباتنا وصمودنا في وجه الصهاينة مش هنسبيهم يقتلوا احلامنا ويوقفوا حياتنا

لا استطيع الكلام احييهم وانصرف وانا ورفيقي ونحن نتعجب ونصاب بحالة من الذهول من هذه الروح ، نعود لسكن الاطباء لننام حتي نبدا عملنا الطي في عمليات الوجه والفكين في صباح الغد


الجزء الثاني


قبل ان ينطلق اذان الفجر كان الجميع قد استيقظوا الشباب من الاطباء وكذلك كبار السن الكل ارتدي ملابسه وقرر ان يصلي في مسجد خارج المستشفي وانطلقنا معا نمشي في الشوارع المحيطة بالمستشفي نتلمس اقرب مسجد بعد ان هدم الصهاينة مسجد الشفاء واصبح ركاما ، هواء معطر بعبق ساحر يمس الوجوه ويخترق الجسد ليرتجف بردا لذيذا ويعانق هبات اخري تحمل رائحة زكية ، المشهد غير معتاد لسنا وحدنا في الشارع ، هناك كثيرون يتسابقون غيرنا اطفالا وشباب رجالا وشيوخا الكل يسرع الخطي بفرح الي المسجد رغم قسوة البرد ، المسجد ممتليء عن بكرة ابيه ، صور الشهداء تزين الحوائط خارج المسجد ، ادخل الي المسجد الواسع الفسيح اراه ممتلئا كصلاة جمعة ، اتذكر مساجدنا الفارغة التي لا يكتمل فيها الصف الاول بتقصيرنا وتكاسلنا ، يقيم المؤذن الصلاة يبدو الصف غريبا علي عيني بين شاب وعجوز وطفل الكل في صف واحد الاطفال اكثر من الشيوخ ، تنتهي الصلاة ويجلس الشيخ الذي لم يتجاوز الثلاثين ليحدثنا عن معني الا بذكر الله تطمئن القلوب تهتز المشاعر وتسبح في بحر الروح تناجي الله لينزل السكينة والامان عليها لتسمو الي عليين وترتفع عن اهواء الدنيا وامالها ، تشعر كم هي حقيرة هذه الدنيا اذا خلت من ذكر الله ، يتحدث الشيخ الشاب من قلبه فيمس حديثه قلبك وتلمس فيه الصدق والاخلاص والرغبة الشديدة في زيادة قربك من الله
http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233946863.jpg
نخرج من المسجد ونعود لسكن الاطباء بالمستشفي نحاول ان ننام قليلا قبل بدء العمل ، لم تكد الساعة تقترب من الثامنة حتي استيقظ الجميع وهب اهل كل تخصص الي غرفة عملياتهم بعد ان تناولوا افطار ابو تامر الشهي المتميز بطبق الفول الرائع مع زيت الزيتون الحقيقي ، ابو تامر هذا حكاية سأحكيها وحدها
من هو ابو تامر : هو رجل في بداية الاربعينات فلسطيني الملامح باسم الوجه منبسط الاسارير دوما يستقبلك ببسمة صافية مخلصة يعانقك بشوق وكأنه يعرفك من سنين ، ابو تامر هو المسئول عن سكن الاطباء كلهم في الجناح الذي نزلنا به وعن اطعامهم وخدمتهم ، يفعل ذلك بكل اقبال وحب ، تشعر انه ابوك بل والدتك وهو يلح عليك لتأكل ويلح عليك لتشرب الشاي ، لا تمر ساعة عليك الا ويأتيك ليسألك هل تريد اي شيء ؟ اذا تأخرت عن موعد الغذاء يبحث عنك في المجمع كله لتأتي لتأكل قبل ان يبرد الطعام ، منذ بداية الحرب وهو مقيم في المستشفي يقوم بهذه المهمة باخلاص وتفاني مر حتي الان حوالي شهر وهو لم يري منزله ولا ابنائه الثمانية الذين يدرسون في مراحل التعليم المختلفة الجامعية والثانوية والابتدائية ، يسهر ويقوم علي راحة الاطباء الضيوف الذين تركوا بلادهم للمساهمة في علاج الجرحي والمصابين ، لا ينام اكثر من ساعتين ، ينظف الجناح كله بنفسه ويجهز الطعام بنفسه ويقضي مشاوير طلبات الاطباء بنفسه ورغم ذلك تشعر انه متواجد طول الوقت ، تتحدث معه فتذهل لثقافته الواسعة واتقانه للانجليزية والعبرية ، المفاجأة الاخيرة انه ليس موظفا ولا عاملا في وزراة الصحة الفلسطينية ولا ينتمي لاي فصيل سياسي ، بل هو متطوع بلا أجر ليقوم بهذه المهمة التي لم تنتهي حتي الان
بحبك اوي يا ابو تامر


قبل الظهر احتاج الي ان اذهب انا ورفيقي الي مخزن الادوية الرئيسي بغزة لنحضر بعض الادوية التي نحتاجها لعملنا فنقرر الذهاب بانفسنا كفرصة للخروج وتغيير الجو قليلا ، نخرج من المستشفي ونسأل شابا من الشرطة المدنية المعنية بتنظيم المرور عن المكان ، يشير علينا بركوب تاكسي لان المكان ليس بقريب ن نقول له نحن لا نمتلك اي شيكلات ( العملة الاسرائيلية المتدوالة ) يقول لنا اذن تعالوا نغير عملة اولا من المصرف ، يشير لزميله ان يقف مكانه حتي يذهب معنا ، نلح عليه ان يشير لنا علي مكتب الصرافة ونحن سنذهب ، يرفض بشدة ويأتي معنا وندخل لنغير العملة ونحصل علي شيكلات يعد معنا الفلوس يطمئننا ان السعر جيد وموحد اصلا في غزة كلها ، نخرج معه من المكتب يشير الي تاكسي ويقول له اوصل الدكاترة الي مخزن الادوية الرئيسي ويخبرنا ان علينا دفع 3 شيكل فقط يودعنا بهدوء ويعود الي مكانه ليمارس عمله ونعود من مهمتنا لنراه يمارس عمله في مكانه بنفس النشاط والاخلاص ، اشعر ان هناك شيئا مختلفا في علاقة المواطن برجل الامن هنا ، اتذكر امناء الشرطة والمرور وماذا يفعلون في السائقين احلم لمصر بصور مشابهة
ادخل الي المستشفي مرة اخري يستوقفني فتي في الثانية عشرة من عمره يبيع اللب والسوداني يعرض عليّ بضاعته اشفق عليه واشتري منه لحماسه في تقديم وعرض سلعته بشكل جيد ، يدور معه هذا الحوار شاهد الفيديو الاتي :
http://www.youtube.com/watch?v=pYgCcUTWeAc
انتهي من حواري معه لاتفاجيء مع صديقي بوفد نسائي لفتيات يبدوا انهن طالبات جامعيات يدخلن لساحة المجمع في نظام وهم يحملون في ايديهن باقات ورد ذو الوان مختلفة وعرفت انهم طالبات بكلية الطب جئن لمواساة الجرحي ، كانوا كزهور تحمل زهور يبتسمن ليربطن علي القلوب ويتمنين الشفاء للمصابين الذين سعدوا بهم للغاية
يدور الحوار بيني وبين واحدة منهن وتظل كلماتها الاخيرة تتردد في اذني ” الدعاء وحده لا يكفي الدعاء وحده لا يكفي ”
اشكرهن وامضي لاكمل عملنا مع رفيقي ، قبل ان يحل الظلام كنا نودع زملائنا الاطباء العائدين الي مصر ، كانوا يبكون بشدة ويدعون الله ان يعيدهم الي فلسطين محررة ، الناس تتسابق عليهم تقبلهم وتدعوا لهم وتودعهم بكل اجلال واحترام فقد قدموا الكثير وانقذوا بفضل الله مئات الارواح من الموت
واعود للسكن لاغير ملابسي واخرج انا ورفيقي نتمشي ونحاول ان نتصل باهلنا في مصر ولكن بلا جدوي فالخطوط والشبكات رافضة تماما ان تستجيب لنا
رائحة الفلافل الساحرة تلهب انفي اسرع الي محل احاول الشراء ولكن الزحام الكبير يدفعني للمغادرة وعيني تتحسر علي انواع السلطات المختلفة التي اراها مصفوفة امامي في فاترينة العرض ، وبالطبع لا استطيع ان انكر انني سأجد مشكلة كبيرة جدا في تناول الطعام في مصر بعد ان تذوقت حلاوة الطهي الفلسطيني المتميز ، اعود للسكن واجلس مع زميلنا الطبيب السوري الشاب الذي ادخل معه في نقاشات فكرية مختلفة محتدمة جعلت جيراننا في الجناح يطردوننا للخارج لازعاجنا لهم ، لا نمل نسحب كراسي ونخرج للهواء الطلق في الشارع ونكمل النقاش يضحك هو ويقول لي انت مستفز يا مصطفي اقول له وانت حبيبي يا احمد اقبل رأسه مداعبا ويذهب للنوم بينما ابقي انا انظر للسماء التي كانت تمطر من ايام قلائل امطار موت واشكر من بدلنا بعد الخوف امنا
مجمع الشفاء الطبي – غزة – الساعة الثالثة بعد منتصف الليل25 / 1 / 2009
=======================
اليوم الثالث - الاحد
————
بعد ان انهيت عملي بالمستشفي خرجت مع صديقي ومعنا ابو تامر الذي تحدثت عنه بالامس ، ركبنا الي حي الزيتون في وسط غزة ونزلنا عند اوله علي الطريق في منطقة جحر الديك حيث اخصب الاراضي الزراعية والسهول المنبسطة والمناظر الخلابة مشكلة هذه المنطقة انها تقع علي الحدود مع الاراضي المحتلة ( اسرائيل ) وبينها وبين الصهاينة امتار قليلة عندما يبدأ اي اجتياح تكون هي المنطقة الاولي التي يدخل منها الصهاينة ويحتلونها لوجود تلال مرتفعة بها تكشف كل غزة وتصلح كمواقع عسكرية ، عبرنا الطريق ومشينا حوالي 300 متر لنصل الي ركام هائل ومنطقة دمار واسع ، علي الركام وقف ثلاثة شباب يقلبون الانقاض بحزن عميق
سألتهم ما هذا ؟؟ قالوا كان هذا اكبر مصنع في فلسطين كلها لانتاج الادوات الكهربائية وكان يغطي حوالي 90 في المائة من الاحتياج وكان يعمل به اكثر من 50 عامل يفتحون 50 بيتا ومورد رزقهم الاساسي هذا المصنع ، انظر تحتي كتلة مختلطة من التراب بالحديد بالادوات الكهربائية دمار شامل حزن عميق يلفني يحكون لي واما عيني مرجيحة تتأرجح بفعل الهواء لم يمسها القصف قالوا لي كانت هذه لابنائنا يمرحون بها وهم يأتون للاطمئنان علينا ، لن يعودوا بعد هذا اليوم لان كل شيء قد انتهي ، كنا نتحمل الحصار ولكنهم ابوا الا ان يدمروا لنا كل شيء ولكن رغم ذلك نحن لن ننكسر وسنظل نتحداهم دوما شاهدوا الصورة
http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947105.jpg

اودعهم واشد علي اياديهم واذهب الي ملحمة اخري من الصمود المعجز اسير بين السهول واصعد تلا مرتفعا جرفته الجرافات وشقته الدبابات لاصل الي دار ال العايدي لاسمع لقصة من قصص الثبات والتضحية التي تنحني الدنيا امامها
ملخص القصة : يقع بيتهم علي هذا التل المرتفع الكاشف للمنطقة المحيطة مما يجعله مطمع للصهاينة عند كل اقتحام وقد تم هدم المنزل بقصفه في سنة 2000 في انتفاضة الاقصي ، وتم اعادة بناءه وبلغ 3 طوابق يسكن بها 30 فرد هم افراد عائلة العايدي المجاهد الفتحاوي المعروف الذي ترك فتح عندما اصطدم بدحلان وعملائه وتفرغ للزراعة ورعاية احفاده وابنائه ، وعندما تم التوغل البري كان بيتهم كالعادة اول هدف للصهاينة قذفوه اولا بالطائرات ولكنه لم ينهار تهاوي الدور الثالث والدور الثاني وبقي الارضي وتجمعوا هم كلهم فيه ورفضوا ان يغادروا منزلهم مما اغاظ الصهاينة فقرروا ان يفخخوا المنزل كله ويفجروه وبالفعل فعلوا ذلك ولكن اراداة الله ارادت ان يتجمع كل افراد العائلة في حجرة كبيرة اصبحت هي الباقية فقط وسط اكوام الركام والانقاض واعتلي الصهاينة هذا التل وعسكروا فيه وقرروا حبسهم فيه عقابا لهم مرت 4 ايام وهم وسط هذا الركام يحاولون الخروج ولكن بلا فائدة اتصلوا اكثر من مرة بهيئات دولية بغزة لتتوسط لهم للخروج علي الاقل لعلاج الاطفال الجرحي الذين تنزف دمائهم ولكن بلا جدوي ، فرغت تليفوناتهم من الشحن تسلل احدهم الي الخارج ليفك بطارية موتوسيكل كانوا يملكونه ويستخدمها لشحن الموبايل وبعد محاولات متكررة توسطت احدي الهيئات الاجنبية لدي الصهاينة ليخرجوا وبالفعل خرجوا ليسيروا حوالي 20 كم مشيا علي اقدامهم وحاملين جرحاهم حتي وصلوا لمدرسة الاونروا في مدينة غزة ، ولم يكادون يدخلون اليها حتي تم قصفها ليفقدوا من فقدوا وبعد ذلك قرروا العودة الي ارضهم وبيتهم بانقاضه
http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947505.jpg
وان يموتوا هناك علي ارضهم ، اصبحت اقصي احلامهم خيمة فقط تقيهم البرد الشديد وسط العراء بعد ان اتم الصهاينة هدم المنزل كلية ، منزلهم الان بعد ان كان 3 طوابق اصبح يتكون من حصيرة كبيرة مرفوعة بين مجموعة من الاحجار المصفوفة يتبادلون دخولها حيث ان عائلتهم 30 فرد بين امرأة وطفلة وشاب رغم كل ذلك الاطفال يلعبون في الانقاض والكبار محتسبون بشكل غير طبيعي

http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947146.jpg

العايدي مع ابنها صورة لا تتكرر بين السماء والارض

http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947355.jpg
لم اتمالك نفسي قبلت يد هذه العجوز كاملة العايدي صاحبة الثمانين عاما التي قالت لي بكل ثقة : لن اترك ارضي انا صامدة هاعيش بين السما والارض ولكن لن اترك ترابي

http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947267.jpg
بعد ذلك مضيت وسط بقايا الزروع لنقابل عجوزا يجمع ما تبقي من زرع ارضه اشار لنا بالتحية وقبلنا عندما علم اننا مصريين وقال لي مازحا : بنات الاسكندرية دول قلق بس بنات المنصورة احلي منهم ، ضحكت من مزاحه وعلمت من ابنه ان عمره 85 عام وانه مصر علي ان يعيد زراعة ارضه بنفسه بعد ان جرفها الصهاينة وحرقوها بالقنابل الفوسفورية والمشعة ، اخبرته ان ذلك حطر عليه صحيا ان يلمس هذه التربة الملوثة بالاشعاع ، ضحك وقال هو في في العمر اد ايه يا عمي الله يعطيك العافية خليني اموت في ارضي وانا بغرس زرعتي هي دي شغلاية حياتي
اكملنا سيرنا في نفس المنطقة ورأينا كيف قتلت الة الحرب المجرمة كل مظاهر الحياة فيها وانتقلنا بعد ذلك الي حي الزيتون السكني بعد ان تفقدنا الزراعي وكان من اللافت نظافة شوارعه رغم بساطته ، الاطفال يجرون في كل مكان يمرحون اسرعوا نحونا يسألوننا انتم منين ؟؟ قلت لهم انا طبيب مصري ، ازدادت بهجتهم وقال لي واحد منهم : بلد بوحة الصباحي قشطة قشطة يا عم الحاج
بادلتهم الضحك طلبوا مني ان نأخذ صورة معا لانهم يحبون مصر ويحبون الاطباء الذين جاءوا لمساعدتهم ، يذهلك كلامهم وعمقهم رغن اكبرهم لم يتجاوز العاشرة من عمره ، حكوا لي عن القصف اخبرني احدهم انهم كانوا يجرون حين يسقط كل صاروخ لينظروا الي اين سينزل ومن يتوقع مكان سقوطه ويكون موفقا فانه الرابح ، ذهلت للغاية بالطبع سألتهم الا تخافون من هذا القصف ؟؟ قالوا نحن لا نخاف الا الله ، اليهود جبناء لو كانوا مش نسوان كانوا جم هنا واحنا كنا وريناهم مين الرجالة
http://www.modehlh.com/mktba/upload/aln3esa-1233947753.jpg

يرتفع صوت واحد فيهم يبدوا في السابعة من عمره يقول لي : احنا مع المقاومة ولما هنكبر هنوريهم ايش نسوي بيهم
اصمت مبتسما وامضي لحالي لانتقل لحي الشجاعية القريب من حي الزيتون ولا يفصل بينهم غير شارع ، معروف هذا الحي بكثرة القصف عليه لوجود رجال للمقاومة به ، الاطفال هم العامل المشترك يبتسمون لك ويسيرون معك ويطلبون ان تأخذ لهم صورة عشان تفتكرهم لما ترجع بلدك
عدد الشهداء بالحي من المقاومة كثير وكثير من مختلف الفصائل حماس وفتح والجهاد ، صورهم تغطي كل مكان هم اقارب لاهل الحي الذين يعرفون اننا اطباء من مصر فيتسارعون لدعوتنا لزيارة منزلهم وتناول الغذاء معهم ، الكل يشير اليك لتري صورة قريب او اخ له شهيد تزين صورته حوائط الشارع ، يتفاخرون بعدد شهدائهم ، الفخر بعدد الشهداء عند كل عائلة وكلما زاد عدد شهدائهم كلما صار ذلك دليلا علي جهادهم وعزتهم ، يتباري الاطفال في ذلك قبل الكبار … هل تدركون معني ذلك ؟ هل تدركون؟؟
انتقل الي منطقة سوق الشجاعية ، تشعر وانت تسير فيه كأنك في شوارع الحسين والازهر او المنشية في الاسكندرية ، رائحة زيت الزيتون تعطر المكان اشاهد مسجد عثمان بن عفان التاريخي والمح طفلتين من اجمل ما خلق الله في حوالي السابعة يجرون من امامي عندما اقترب منهم ويقف معي اشقائهم ويضحكون ويمزحون كعادة اطفال غزة واودعهم مع رفيقي بعد ان نلتقط صورا جماعية عند بوابة المسجد التاريخي
اخرج للميدان الواسع اري مبني علي ناصيتين قد تم تدميره بشكل كامل اقف لتصويره ، يقترب مني فتيان في الخامسة عشر من العمر يقول لي احدهم بالانجليزية كيف حالك اجيبه بالانجليزية انا بخير اخبره اني مصري ، يضحك ويقول لي انا حسبتك اجنبي عندما رأيتك بتصور المبني دا ، فقلت اجي اساعدك واسهل عليك خاصة اني اتكلم الانجليزية جيدا ، اربت علي كتفه واقول له بالفلسطينية : الله يعطيك العافية انت ايجابي جدا ، يقول لي انت جاي تساعدنا يبقي لازم نساعدك دا وطنا
اشكره واعود للمستشفي وانا في طريقي لسكن الاطباء يقابلني سامي بائع الشاي الصغير الذي تعرفت عليه قبل ذلك وله اخ شهيد في هذه الحرب يشير لي بالتحية ويقول ازيك يا حبي والله كان نفسي اشوفك من امبارح عشان اشربك شاي من عندي وعليا ( اي علي حسابه ) انت والدكتور صاحبك ، ابتسم واقول له ربنا يكرمك ويوسع عليك ، وطالما ذكرت الشاي الفلسطيني اخبركم انه افضل شاي في حياتي علي الاطلاق اصبحت اشرب منه في اليوم حوالي 6 اكواب بسبب صاحبنا ابو تامر ، الشاي تحفة طعمه مميز بالنعناع والمرمرية ، عندما اعود ان شاء الله سوف اشتري كمية كبيرة منه وادعوكم جميعا لشرب فنجان شاي عندي ، اخر حاجة في النوت دي اني خلاص بقيت متمرس بالتعامل مع الشيكل الاسرائيلي وفئاته الفضية والورقية
يستكمل
مجمع الشفاء الطبي – غزة الساعة 2 بعد منتصف الليل

! أستــmodehlhــاهلك !
06-02-2009, 10:19 PM
كل الشكر والتقدير لك على الموضوع الرائع .. ...
.. و ثق أننا بانتظار المزيد منك ...
تحياتى ...

¨°o.O الناقل انا O.o°¨
06-02-2009, 10:40 PM
اهلآ اخوي استاهلك
شرفني مرورك

ورده النيل
06-02-2009, 11:07 PM
دائما رائع اخي الناقل انا

ربنا معاهم وينصرهم

وكل المصريين يتمنوا ان يكونوا بجانبهم

الف شكر

تقبل مروري

¨°o.O الناقل انا O.o°¨
09-02-2009, 02:32 PM
اهلآسيدة الابداع
شرفني مرورك الرائع